کد مطلب:280439 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:180

التحذیر من ذهاب العلم
إن كل موجود یحظی بالعلم بقدر ما یحظی بالوجود. والله تعالی



[ صفحه 292]



یرفع الذین آمنوا علی غیرهم فی العلم، ویرفع الذین أوتوا العلم منهم درجات، بمعنی أن العلم له مكان فی دائرة الذین آمنوا، وهذه الدائرة مراتب ولها ذروة، قال تعالی: (یرفع الله الذین آمنوا منكم والذین أوتوا العلم درجات)، [1] وذروة الذین أوتوا العلم. مع الذین ارتبطوا بكتاب الله ولا ینفصلوا حتی یردوا علی الحوض، ومن دائرة الذروة تخرج المعارف الحقة والعلوم المفیدة، لأن الذین فی الذروة هم العامل الذی یحفظ الأخلاق ویحرسها فی ثباتها ودوامها، ولأن من عندهم تتدفق العلوم التی تصلح أخلاق الناس، لیكونوا أهلا لتلقی المزید من المعارف الحقة. التی لا تكون فی متناول البشر إلا عندما تصلح أخلاقه.

وكما أن النبی (ص) أمر أمته بأن یمسكوا بحبل الله لیردوا علی الحوض، أخبر كذلك بالغیب عن ربه بأن العلم سیرفع، ورفعه هو نتیجة لذهاب أوعیته، عن أبی الدرداء قال: كنا مع النبی (ص). فشخص ببصره إلی السماء ثم قال: هذا أو أن یختلس العلم من الناس حتی لا یقدروا منه علی شئ، فقال زیاد بن لبید: كیف یختلس منا. وقد قرأنا القرآن. فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا، قال: ثكلتك أمك یا زیاد إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدینة، هذه التوراة والإنجیل عند الیهود والنصاری. فماذا تغنی عنهم، [2] وفی روایة عن شداد بن أوس قال وهل تدری ما رفع العلم؟ ذهاب أوعیته [3] وفی روایة عن أبی إمامة قال وهذه الیهود والنصاری بین أظهرهم المصاحف، لم یصبحوا



[ صفحه 293]



یتعلقوا بحرف واحد مما جاءتهم به أنبیاؤهم، وإن من ذهاب العلم أن یذهب حملته، وإن من ذهاب العلم أن یذهب حملته، وإن من ذهاب العلم أن یذهب حملته، [4] وقال فی تحفة الأحوازی: ومعنی هذه التوراة والإنجیل عند الیهود والنصاری. أی أن القراءة دون علم وتدبر محل نظر. وقال القارئ: أی فكما لم تفدهم قراءتهما مع عدم العمل بما فیهما فكذلك أنتم. [5] .

وعلی امتداد المسیرة ظهر ما كان فی بطن الغیب، ظهر الذین یقرؤون القرآن لا یعدوا تراقیهم. یمرقون من الإسلام كما یمرق السهم من الرمیة، وظهر الذین قرؤا ثم نقروا ثم اختلفوا ثم ضرب بعضهم رقاب بعض، وظهر الذین قرؤا ثم اعتزلوا ثم خرجوا علی جیرانهم بالسیوف ورموهم بالشرك. بینما كانوا هم إلی الشرك أقرب، وظهر الذین لا یقرؤن القرآن إلا فی حفلات النفاق التی یشرف علیها الیهود والنصاری فی كل مكان، وعلی أكتاف هؤلاء وهؤلاء. انطلق البعض فی طریق التقدم إلی الخلف. وارتبط مصیرهم بمصیر الذین سبقوهم، قال النبی (ص) إن بنی إسرائیل إنما هلكت حین كثرت قراؤهم [6] وأخبر النبی (ص) بأن الذین یقرؤن القرآن لا یجاوز تراقیهم، نطف فی أصلاب الرجال وقرارات النساء، كلما نجم منهم قرن قطع حتی یكون آخرهم لصوصا سلابین، وقال لا یزالوا یخرجون، حتی یخرج آخرهم مع الدجال، [7] وفی روایة كلما قطع قرن نشأ قرن، حتی یكون مع بیضتهم الدجال. [8] .



[ صفحه 294]



وبالجملة: أقام النبی (ص) الحجة فی أول الطریق وانطلقت الحجة مع المسیرة حتی نهایة الطریق، وأمر النبی (ص) أمته أن تأخذ بحبل الله حتی لا یضلوا، وقال: ما من نبی بعثه الله عز وجل فی أمة قبلی إلا له من أمته حواریون وأصحاب. یأخذون بسنته ویقتدون بأمره.

ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف. یقولون ما لا یفعلون ویفعلون ما لا یؤمرون. فمن جاهدهم بیده فهو مؤمن. ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن. ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ولیس وراء ذلك من الإیمان حبة خردل، [9] وقال فی الفتح الربانی: الحواریون هم خلصان الأنبیاء وأصفیائهم. والخلصان هم الذین نقوا من كل عیب. وقیل: الخلصان هم الذین یصلحون للخلافة بعد الأنبیاء. [10] .

لقد دافع الإسلام عن العلم، ولم یقاتل یوما من أجل الكرسی، وأمر الإسلام بالجهاد للإبقاء علی الذروة التی تفیض بالعلم الإلهی ذروة كل العلوم وأشرف العلوم، لأن هؤلاء وحدهم هم الذین یحملون النور المحمدی، ذلك النور الذی یعتبر برزخا بین الناس وبین النور الإلهی.

الذی تندك له الجبال.


[1] سورة المجادلة آية 11.

[2] رواه الترمذي وقال حديث صحيح (تحفة الأحوازي 412 / 7).

[3] رواه أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه (النتح الرباني 183 / 1).

[4] رواه أحمد والطبراني بسند صحيح (الزوائد 200 / 1).

[5] تحفة الأحوازي 413 / 7.

[6] رواه الطبراني (كنز العمال 268 / 10) (الزوائد 189 / 1).

[7] رواه أحمد ورجاله ثقات (الزوائد 299 / 6).

[8] رواه الطبراني. وإسناده، حسن (الزوائد 230 / 6).

[9] رواه مسلم وأحمد (الفتح الرباني 190 / 1) وابن عساكر (كنز العمال 73 / 6).

[10] الفتح الرباني 190 / 1.